1. الرئيسية|
  2. أخبار المنتخبات الوطنية

أيوب الكعبي حكاية لا يكتبها إلا الإصرار

أيوب الكعبي حكاية لا يكتبها إلا الإصرار

في كرة القدم، لا تسير كل القصص على خط مستقيم. بعض الحكايات تولد في الأكاديميات، وأخرى تُصنع في الظل… في العرق، وفي الانتظار الطويل، وفي الإيمان الصامت. قصة أيوب الكعبي تنتمي للصنف الثاني؛ قصة لاعب لم تفتحه له الأبواب مبكرًا، لكنه طرقها بإصرار حتى فُتحت كلها.
أيوب الكعبي لم يكن “مشروع نجم” في سن المراهقة، ولم تلتقطه عدسات الكشافين وهو طفل. في سن الخامسة عشرة، حين كان أقرانه يركضون في ملاعب الأكاديميات، كان هو يعمل نجّارًا ليكسب قوت يومه. ترك الدراسة مبكرًا، لا اختيارًا، بل اضطرارًا. الحياة لم تمنحه ترف الحلم السهل، لكنها لم تستطع أن تنتزع منه الإيمان.
دخل عالم الاحتراف متأخرًا جدًا بمعايير كرة القدم الحديثة. أول مباراة احترافية له جاءت وهو في حدود 23 عامًا، في الدرجة الثانية المغربية. عمرٌ يُعد “نهاية الفرصة” بالنسبة لكثيرين، لكنه كان بالنسبة لأيوب بداية الطريق. لعب في دوريات الهواة، صبر، انتظر، وحين أُتيحت له الفرصة… انفجر.
اجتاح دوري الدرجة الثانية، تُوّج هدافًا، وفرض اسمه بقوة، لتبدأ أندية الصفوة في طرق بابه. كانت الخطوة التالية مع نهضة بركان، حيث انتقل إلى البطولة الاحترافية الأولى، وهناك بدأ حلم أكبر يتشكّل.
المنعطف الحقيقي في مسيرته جاء سنة 2018، مع استدعائه لتمثيل المنتخب المغربي في بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين (CHAN). في تلك البطولة، لم يكن أيوب مجرد لاعب، بل ظاهرة. تسعة أهداف في ست مباريات، رقم قياسي لا يزال صامدًا حتى اليوم، مع تتويجه هدافًا وأفضل لاعب في البطولة. وفي النهائي، اكتمل المشهد: فوز مغربي كاسح على نيجيريا (4-0)، وهدف جديد يحمل توقيع الكعبي.
كان عمره آنذاك 25 عامًا. أوروبا؟ الحلم كان صعبًا في ذلك التوقيت. فجأة، جاء العرض الصيني، في زمن كانت فيه الأندية الصينية تُغري نجوم العالم برواتب خيالية. أيوب، القادم من فقر “متواضع” كما يصفه هو، لم يتردد. لم يذهب بحثًا عن المجد، بل بحثًا عن الأمان، عن مستقبل عائلته. كان قرارًا إنسانيًا قبل أن يكون كرويًا.
لكن التجربة لم تطُل. عاد إلى المغرب، واختار الوداد الرياضي، مدركًا أن الحضور الإعلامي، والمنافسة المحلية القوية، قد تعيد فتح أبواب المنتخب وأبواب أكبر. ومع الوداد، واصل عادته: التألق. تُوّج بلقب الدوري، وحصد لقب هداف الموسم، وأكد أن نجاحه لم يكن صدفة.
قبل ذلك وبعده، كان قد شارك فعلًا في كأس العالم 2018 بروسيا، ولعب أمام إيران والبرتغال، ليضيف فصلًا جديدًا لحكاية لاعب بدأ من الهامش ووصل إلى أكبر مسرح كروي في العالم.
المحطة التالية كانت تركيا، مع هاتاي سبور. هناك، وفي موسمه الأول، سجّل 18 هدفًا، واحتل المركز الثاني في ترتيب الهدافين مناصفة مع ماريو بالوتيلي. لاعب في أواخر العشرينات، وما يزال يتطور، ترتفع قيمته، ويثبت أن “التأخر” لم يكن عائقًا، بل ربما ميزة.
عرض مالي كبير من السد القطري جاء لاحقًا، فقبله بذكاء. بدا وكأن المسيرة ستتجه نحو الاستقرار المالي فقط… لكن كرة القدم كانت تُخبئ له مفاجأة أكبر.
في سن الثلاثين، حين يظن كثيرون أن قطار أوروبا قد غادر المحطة، جاءه عرض من عملاق يوناني: أولمبياكوس. النادي لم يكن يبحث عن موهبة واعدة، بل عن مهاجم جاهز، ناضج، يعرف طريق الشباك. وكان أيوب الكعبي هو الاختيار المثالي.
ما حدث بعدها أشبه بالحلم. في موسمه الأول، قاد أولمبياكوس للتتويج بدوري المؤتمر الأوروبي، وتُوّج هدافًا للبطولة وأفضل لاعب فيها. من نجّار بسيط إلى قاهر أوروبا. ثم أضاف الدوري اليوناني، وكأس اليونان، وجائزة أفضل لاعب في اليونان، وأفضل لاعب أجنبي، واختير ضمن فريق الموسم، ونال جائزة أفضل لاعب في أولمبياكوس… موسم 2023/2024 كُتب باسمه.
وفي الموسم التالي (2024/2025)، واصل كتابة التاريخ، وهذه المرة في الدوري الأوروبي، منهياً المسابقة هدافًا مناصفة مع أسماء عالمية مثل برونو فيرنانديز وكاسبر هوغ. واليوم، يحمل الرقم القياسي كأكثر لاعب تسجيلاً للأهداف مع أولمبياكوس في المسابقات الأوروبية.
قصة أيوب الكعبي ليست مجرد أرقام وألقاب. إنها شهادة حيّة على أن الطريق إلى القمة ليس واحدًا، وأن “التأخر” لا يعني النهاية. إنها حكاية لاعب لم يستسلم للفقر، ولم تُكسِره البدايات الصعبة، ولم تخدعه الأموال حين جاءت مبكرًا، ولم تُرعبه أوروبا حين جاءت متأخرة.
من ورشة نجارة… إلى منصات التتويج الأوروبي.
أيوب الكعبي… دليل حيّ على أن الأحلام لا تموت، بل تنتظر من يؤمن بها حتى النهاية.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)