03:35
بقلم | محمود علي
لطالما أشدنا جميعاً بجماهير كرة القدم في مختلف أنحاء الوطن العربي وبالحالة الجديدة والرائعة التي بدأت تخلقها في الملاعب العربية المختلفة منذ سنوات غير بعيدة، ولطالما أيضاً أظهرنا تعاطفنا معهم ضد بعض الممارسات الأمنية غير المقبولة التي تعرضوا لها في فترات عدة سابقة بالسنوات الماضية.
لكن الشيء الذي أصبح واضحاً أمامنا كما الشمس، بشكل جعلنا غير قادرين على تجاهله، هو أن بعضاً من هذه الجماهير تحولوا بشكل غريب من ضحايا مجني عليهم إلى جناة.
فالمشجع الذي يخرج من بيته وهو ذاهب إلى الملعب لـافتعال مشكلة أو أزمة ما مع جماهير منافسة أو مع الأمن أو حتى مع لاعبي فريقه أنفسهم، بالتأكيد لا يمكن أن نعتبره مجني عليه.
المُشجع الذي يترك متعة كرة القدم في تشجيع ومؤازرة الفريق الذي ينتمي إليه، ويتفرغ لأمور سلبية آخرى قد تجرّه إلى الحبس أو الاعتقال أو حتى القتل، هو جان بلا شك، على أسرته وأهله قبل أي شخص آخر.
فإذا كانت هذه النوعية من المشجعين تدعي حقاً أنها من الانتماء والانتماء فيها، فكيف تتخلى فجأة عن أهل بيتها، كيف يرتضي مُشجع لـأمه ولـأبيه ولـإخوته المذلة في سجنه، والكآبة والحزن الأبدي في موته، والفضيحة والهوان في شغبه.. كيف يكون منتمياً وهو لم يُفكر ولو للحظات فيما قد يُصيب أقرب الناس إليه جراء أفعاله المُتهورة وغير المُبررة على الإطلاق.
أصدقكم القول إني أكثر من دافع عن الجماهير العربية ومازلت إلى الآن مؤمناً بأن الأجيال الجديدة منها، وحدها القادرة على الإبداع في الملاعب وإمتاعنا بدخلاتها وأهازيجها وأناشيدها وتشجيعها، لكني بدأت أشعر أن بعضهم بالفعل جُناة، قُساة القلوب على أهاليهم وأسرهم ومحبيهم، جُناة في حق هؤلاء بالتحديد، وما أصعب أن تُجرم في حق من جعلك تفتخر الآن برجولتك وشبابك.
وبدون أن نستعرض أو نقف عند حوادث بعينها لشغب الجماهير بالوطن العربي، فنحن بلا شك أصبحنا نُدرك الآن حقاً أننا نُعاني كثيراً من هذه القلة في ملاعبنا، ولا تكاد تخلو بلد من بلداننا العربية من أم فقدت نجلاً لها، للسجن أو الموت، بسبب تهوره وانحرافه عن مسار التشجيع الحقيقي لكرة القدم، وبأي ذنب تستحق الأم التي ربّت وكبّرت وضحّت من أجل أن تسعد يوماً بنجلها، أن تره بعد سنوات من كبره مسجوناً أو معتقلاً أو جثة اختطف الموت منها الروح والحياة؟
بالتأكيد الجماهير في كل الملاعب العربية أصبحت في حاجة مُلحة إلى مراجعات نفسية جادة فيما بينها، من أجل فقط أقرب الناس إليهم، من أجل أمهاتهم، فالأم تستحق منهم الكثير من التضحيات، ولا أظن أن الالتزام بالأخلاق والاحترام والسلوك الحسن في التشجيع، هو أمر مُتكلّف، إنه أبسط من أن يُفهم على أنه تضحية، لكن فـ لنعتبره تضحية من أجل هذه السيدة فقط.. ضحّوا واسلكوا المسالك الحسنة من أجلها، فهي تستحق الكثير منكم، تستحق أن تحافظوا على أنفسكم من أجلها، وتستحق أن تضعوها في حسبانكم قبل الإقدام على أي خطوة مُتهورة، لا منفعة على الإطلاق منها.