سأتناول هذا الموضوع بكل تجرد وهدوء، بعيدًا عن العاطفة والانحياز، والمتعلق بأحقية عثمان معما في التواجد ضمن قائمة المنتخب الوطني المغربي المشاركة في كأس إفريقيا للأمم المغرب 2025، مقابل توجيه الدعوة لإلياس بن الصغير الذي يبتعد حاليًا عن أجواء التنافسية رفقة باير ليفركوزن الألماني.
أي متابع لكرة القدم، دون عناء كبير، سيطالب بمنح الفرصة لمعما في هذه المرحلة، بالنظر إلى توهجه واستمراريته، وربما كنت سأفعل الشيء نفسه لو كنت في مكان وليد الركراكي. غير أن الناخب الوطني اختار عكس ذلك تمامًا، فوجه الدعوة للاعب يفتقد للجاهزية التنافسية، وتجاهل لاعب يعيش أفضل فتراته. بطبيعة الحال، هذه النقطة كانت حاضرة داخل النقاشات التقنية للطاقم الوطني، ولا شك أن الركراكي خرج بتصور فني قد لا يكون واضحًا لنا كجمهور أو متابعين.
وليد الركراكي يعرف إلياس بن الصغير عن قرب، وهو المدرب الذي لاحقه لأشهر طويلة من أجل إقناعه بحمل قميص المنتخب الوطني المغربي، وهو ما تحقق في النهاية. كما أنه يدرك جيدًا الفوارق بينه وبين عثمان معما، خاصة على المستوى التقني الخالص، وربما كان هذا العامل هو الحاسم في ترجيح كفة بن الصغير.
من غير المنطقي افتراض أن أي مدرب في العالم قد يضحي بلاعب قادر على تقديم الإضافة وتحقيق الإنجازات، فقط لمكافأة لاعب اختار تمثيل المغرب بدل منتخب آخر. ولو كان الأمر كذلك، لكان الركراكي أبعد ما يكون عن منطق التدريب الاحترافي. كرة القدم، في نهاية المطاف، تُحكمها الرؤية الفنية والانسجام التكتيكي، لا العواطف ولا الحسابات الجانبية.
لكل مدرب قناعاته، ويعرف جيدًا نوعية اللاعبين الذين يخدمون أفكاره، وتوقيت توظيفهم. واستمرار حضور بن الصغير في تجمعات المنتخب الأول يؤكد تشبث وليد به، تمامًا كما حدث سابقًا مع عز الدين أوناحي خلال أزمته مع مارسيليا، ومع يوسف النصيري في فترات تذبذبه مع فنربخشة، وهي اختيارات أثمرت في النهاية. ويبقى الأمل قائمًا في أن ينجح بن الصغير في الرد داخل أرضية الملعب.
شخصيًا، لا يهمني اسم اللاعب بقدر ما يهمني الهدف الأسمى: التتويج بلقب كأس إفريقيا للأمم الذي غاب عنا لسنوات طويلة. إلياس بن الصغير نال فرصة تاريخية وعليه استثمارها، فيما يظل عثمان معما مطالبًا بمواصلة التطور، وفرض نفسه بشكل أقوى مع واتفورد الإنجليزي، من أجل ضمان مكانته مستقبلًا، سواء في الاستحقاقات القادمة أو في أفق كأس العالم.
وفي الختام، لا بد من التذكير بأن جل الاختيارات التقنية لوليد الركراكي، سواء بدعوة لاعبين أو استبعاد آخرين، أثبتت نجاعتها مع مرور الوقت. والأيام وحدها كفيلة مرة أخرى بالحكم على هذه القرارات، على أمل أن تكون موفقة، لأن هذه الفرصة قد لا تتكرر.




